رؤيا العبد نفسه بين يدي الله، ورؤيا الرسل والملائكة : يذكر ابن سيرين: (أن من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله- سبحانه وتعالى- ينظر إليه فإن كان الرائ من الصالحين فرؤياه رحمة وإن لم يكن من لصالحين فعليه بالحذر؛ لقوله تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ} فإن رأى كأنه يناجيه أكرم بالقرب وحبب إلى الناس، قال تعالى: {وقَرَّبْنَاهُ نَجِيًا} وكذلك لو رأى أنه ساجد بين يدي الله- سبحانه وتعالى-، لقوله تعالى: {واسْجُدْ واقْتَرِبْ} ومن رأى أنه يكلمه من وراء حجاب حسن دينه وأدى أمانته إن كانت في يده وقي السلطان، وإن رأى أنه يكلمه من غير حجاب فإنه يكون خطأ في دينه لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلاَّ وحْيًا أَوْ مِن ورَاءِ حِجَابٍ}، فإن رأى كأن الله ساخط عليه فذلك يدل على سخط والديه عليه، فإن رأى كأن أحد أبويه ساخط عليه دل على سخط الله عليه، لقوله تعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوَالِدَيْكَ إلَيَّ المَصِيرُ}.
رؤيا الأنبياء والمرسلين:
رؤيا الأنبياء والمرسلين- صلوات الله عليهم- أحد شيئين: إما بشارة وإما نذارة، ثم هي ضربان: أحدهما أن يرى نبيًا على حالته وهيئته، فذلك دليل على صلاح صاحب الرؤيا وعزه وكمال جاهه وظفره بمن عاداه. والآخر: يراه متغير الحال عابس الوجه فذلك يدل على سوء حاله وشدة معيشته ثم يفرج الله عنه أخيرًا، فإن رأى كأنه قتل نبيًا دل على أنه يخون في الأمانة وينقض العهد، لقوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} هذا على الجملة أما على التفصيل فمن رأى آدم- عليه السلام- ينال ولاية عظيمة إن كان أهلًا لها، لقوله تعالى: {إنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}ومن رأى إدريس- عليه السلام- أكرم بالورع وختم له بخير، ومن رأى نوحًا- عليه السلام- طال عمره وكثر بلاؤه من أعدائه ثم رزق الظفر عليهم، ومن رأى هودًا- عليه السلام- تسفه عليه أعداؤه وتسلطوا على ظلمه ثم ظفر بهم، وكذلك من رأى صالحًا- عليه السلام-، ومن رأى إبراهيم- عليه السلام- رزق الحج إن شاء الله، ومن رأى إسحق- عليه السلام- أصابته شدة ثم فرج عنه ويرزق عزًا وشرفًا هذا إذا راءه على جماله وكمال حاله، فإن راءه متغير الحال ذهب بصره- والعياذ بالله-، ومن رأى إسماعيل- عليه السلام- رزق السياسة والفصاحة، ومن رأى يعقوب- عليه السلام- أصابه حزن عظيم من جهة بعض أولاده ثم يكشفه الله عنه، ومن رأى يوسف- عليه السلام- فإنه يصيبه ظلم وحبس وجفاء من أقربائه ويرمى بالبهتان ثم يؤتى ملكًا ويخضع له الأعداء، ومن رأى شعيبًا- عليه السلام- مقشعرًا يذهب بصره، فإن راءه على غير تلك الحالة فإنه يبخسه قوم حقه ويظلمونه ثم يقهرهم وربما دلت- أي الرؤيا- على أن صاحبها له بنات، ومن رأى موسى وهارون- عليهما السلام- أو أحدهما فإنه يهلك على يديه جبار ظالم، ومن رأى أيوب- عليه السلام- أبتلى في نفسه وأهله وولده ثم يعوضه الله من كل ذلك ويضاعف له، لقوله تعالى: {ووَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ ومِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ}، ومن رأى داود- عليه السلام- على حالته أصاب سلطانًا وقوة وملكًا، ومن رأى سليمان- عليه السلام- رزق الملك والعلم والفقه، ومن رأه ميتًا على منبره أو سريره فإن خليفة أو أميرًا أو رئيسًا سيموت لا يعلم بموته إلا بعد مدة، ومن رأى زكريا- عليه السلام- رزق على الكبر ولدًا تقيًا، ومن رأى يحيي- عليه السلام- وفق للعفة والتقوى حتى يصير في ذلك وفريد عصره، ومن رأى عيسى- عليه السلام- دلت رؤياه على أنه رجل نفاع مبارك كثير الخير كثير السفر ويكرم بعلم الطب وبغيره من العلوم .
رؤيا الملائكة عليه السلام:
من رأى كأنه يعادي جبريل وميكائيل- عليهما السلام- أو يجادلها فإنه تحل به نقمة الله تعالى من ساعة إلى ساعة، وكان رأيه موافقًا لرأي اليهود، ومن رأى أنه أخذ من جبريل- عليه السلام- طعامًا فإنه يكون من أهل الجنة- إن شاء الله- وإن راءه حزينًا مهمومًا أصابته شدة وعقوبة لأنه ملك العقوبة، ومن رأى ميكائيل فإنه ينال رضاه في الدارين، ومن رأى إسرافيل- عليه السلام- محزونًا ينفخ في الصور وظن أنه سمعه وحده دون غيره فإن صاحب الرؤيا يموت، فإن كان يظن أن أهل ذلك الموضع سمعوه ظهر في ذلك الموضع موت ذريع، وقيل إن هذه الرؤيا تدل على انتشار العدل بعد الظلم، ومن رأى ملك الموت- عليه السلام- مسرورًا مات شهيدًا، فإن باسرًا ساخطًا مات على غير توبة.
إن رأى ملائكة بأيديهم أطباق الفواكه خرج من الدنيا شهيدًا، وإن رأى أن ملكًا من الملائكة دخل عليه داره فليحذر دخول اللص داره. ومن رأى كأن الملائكة هبطت من السماء إلى الأرض على هيئتها فذلك دليل على عز أهل الحق وذل أهل الباطل ونصرة المجاهدين، فإن راءهم على صورة النساء فإنه يكذب على الله تعالى، لقوله تعالى: {أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ واتَّخَذَ مِنَ المَلائِكَةِ إنَاثًا إنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا}.
وإن رأى كأنه ينظر إلى الملائكة أصابته مصيبة، لقوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ المَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ويَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا}.
0 التعليقات: